Thursday, November 21, 2013

نهضة المهدي على ضوء فلسفة التاريخ لشهيد مرتضى مطهري.





مبدأ انتظار الفرج يمكن استنباطه من مفهوم قراني الا وهو حرمة اليأس من روح الله.
{وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ } يوسف87

المجموعة المؤمنة بالنصر الالهي لا تفقد الامل مهما قست الظروف ولا تسلم نفسها لليأس والعبث بأي حال من الأحوال. مفهوم انتظار الفرج وعدم اليأس من روح الله من المفاهيم الاسلامية الشاملة التي لا تختص بفرد معين او جماعة محددة , فهو يحمل البشائر للبشرية بأجمعها ويحمل معه ايضا صفات محددة لهذه البشائر.

هناك نوعان من الانتظار:
1- انتظار مثمر بناء, يبعث على التزام ويمنح القوة والتحرك , ومثل هذه الانتظار يمكنه أن يكون نوعا من العبادة وطريقا لطلب الحق.
2- انتظار محرم هدام, يؤدي الى الوقوع في الاغلال والى شل الطاقات, ويمكن اعتباره نوعا من الاباحية كما سنوضح ذلك في اخر البحث.

هذان النوعان من الانتظار ينطلقان من انطباعين مختلفين عن ظهور المهدي الموعود. وهذان الانطباعان بدورهما ناشئان عن رؤيتين متباينتين للتطورات التاريخية. وهنا يطرح سؤال ,هل التطورات التاريخية سلسلة من الامور  الطبيعية ام مجموعة من الاحداث التي تتحكم فيها الصدفة والاتفاق؟
رب قائل : ان أحداث التاريخ هي سلسلة من الصدف والاتفاقات. أي انها لا تنظبط تحت قاعدة عامة . هذه المقولة تعني: ان المجتمع عبارة عن مجموعة من أفراد ذوي طبائع فردية شخصية ومايقوم به هؤلاء الأفراد من نشاطات نابعة من دوافعهم الفردية الشخصية , هذا يؤدي الى سلسلة من المصادفات والاتفاقات , وهذه بدورها تؤدي الى التغيرات التاريخية.
والنظرة الاخرى ترى ان للمجتمع وجوده وشخصيته المستقلة عن الافراد, وله مسيرته التي تقتضيها طبيعته وشخصيته, فشخصية المجتمع هي غير شخصية الافراد والشخصية الواقعية والحقيقية للمجتمع تركيب مكون من التفاعل الثقافي للافراد كسائر التراكيب المشهودة في الطبيعة الحية والجامدة.
المجتمع بناء على هذا له طبيعته وقواعده وضوابطه الخاصة التي تؤطر مسيرته, وهذه المسيرة بكل ما فيها من افعال وردود افعال انما تقوم على اساس قوانين كلية عامة.
لايمكن ان لا يكون للتاريخ فلسفة ولا قواعد ولا ضوابط عامة , ولا بمقدوره ان يكون موضوعا للفكر ,واساسا للدراسة ,والتذكر والاعتبار مالم يكن المجتمع شخصية مستقلة, وطبيعة خاصة .  وأن افتقد المجتمع هذه الشخصية المستقلة تحول التاريخ الى تعبير عن حياة مجموعة من الافراد وفقد عطاءه التربوي . وان كان في مثل هذا التاريخ عظة و عبرة , اقتصرت العظة والعبرة على الحياة الفردية ولا تتعداها الى حياة الشعوب والجماعات.
فهمنا لاحداث التاريخ يقوم اذن على اساس فهمنا لشخصية المجتع وطبيعته.

باعتبار ان مسالة انتظار الفرج مبحث ديني اسلامي, نطرح هنا سؤال اخر: هل ينطلق القران الكريم في طرح العبر والدروس من حياة الافراد أم من حياة الجماعات؟
اذا كان القران يتجه في سرده للتاريخ الى حياة الجماعات لا الافراد .. فهل هذا يعني ان القران يعتبر المجتمع شخصية مستقلة مدركة , ذات قوة وشعور مستقل عن حياة الافراد؟
الجواب:  ان القران ينطلق في قسم من دروسه وعبره على الادلة من حياة الاممم والجماعات.
((تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ ۖ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ ۖ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ)) البقرة 134.
القران الكريم يرفض بشدة النظرة العبثية الى التاريخ ويشدد على وجود قواعد ثابتة دائمة لمسيرة الامم والجماعات فيقول: (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ ۖ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً ۖ وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ) الأعراف 34.
( فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ ۚ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا ۖ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا ). فاطر 43.
القران يشير الى مسألة تربوية هامة في حقل القوانين التي تحكم التاريخ حين يؤكد ان البشرية هي التي ترسم بيدها مصيرها عن طريق ما تقوم به من اعمال صالحة او طالحة.
هذا يعني ان النظرية القرانيىة تذهب الى أن قوانين المسيرة البشرية ماهي الا سلسلة من ردود افعال لما تفعله الاقوام والجماعات.
من هنا النظرية القرانية تؤكد على وجود قوانين و نواميس كونية ثابته لمسيرة التاريخ كما تؤكد في الوقت ذاته على دور الانسان وحريته واختياره .

( إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ ). الرعد 11.
....................................................................................................................................

كيف يكون التاريخ متكاملا؟
تكامل التاريخ يمكن تفسيره بطريقتين مختلفتين :
1_  التفسير الآلي ( الديالكتيكي).
2- التفسر الانساني او الفطري.
ومن كل طريقة ينتج اتجاه فكري مختلفا شكلا وماهية.
1- الآلية:
هذه الطريقة تفسر تكامل التاريخ على اساس الصراع بين النقائض . يقوم على الاسس التالية:
1- الطبيعة هي حركة مستمرة.
2- كل جزء من اجزاء الطبيعة يتاثر باجزاء الطبيعة الاخرى ويؤثر فيها. ( النظرة الى الطبيعة لا تكون صحيحة ما لم تدرس جميع الأشياء وهي مرتبطة مع بعضها لا مفككة ومجزأة.
3- الحركة ناشئة عن صراع النقائض , وتاتي عن طريق اتجاه ظاهرة نحو ضدها ونقيضها.
4- هذا الصراع بين الظواهر يزداد شدة باستمرار حتى يبلغ ذروته.
________________________________

التفسير القراني للتاريخ:
القران يرد وقائع التاريخ البشري منذ بداية الخليقة على انها صراع مستمر بين قوى الحق وقوى الباطل , بين مجموعة من امثال ابراهيم وموسى وعيسى ومحمد -عليهم افضل الصلاة والسلام- وأتباعهم المؤمنين ومجموعة اخرى من امثال نمرود و فرعون و جبابرة اليهود وابي سفيان وامثالهم . فلكل فرعون موسى. انتصار احد الفريقين او فشله يرتبط طبعا بمجموعة من العوامل الاجتماعية والاخلاقية والاقتصادية. تاكيد القران على تاثير العوامل الاخلاقية في مسيرة التاريخ صير التاريخ مصدر تعليمي مثمر معطاء. لو نظرنا الى التاريخ على انه مجموعة صدف و اتفاقات ليس لها علة ولا موازين او ضوابط لتبدلت احداث التاريخ الى اساطير. اما حينا نؤمن بضوابط التاريخ و موازينه وقواعده و بدروه الاصيل والحاسم للقيم الاخلاقية والانسانية يصبح التاريخ حينئذا ذا عطاء تعليمي مفيد والقران ينظر الى التاريخ من هذه النظرة.
خلاصة خصائص مسألة نهضة المهدي عليه السلام:
1- التفاؤل بمستقتبل البشرية:
في وقت يؤمن الغالبية ان الشر والفساد و التعاسة صفات لا تفارق الحياة البشرية تأتي  فكرة نهضة المهدي تبشر نحول مستقبل مشرق , سعيد تنقلع فيه جذور الظلم والفساد.
2 انتصار الحق والتقوى والسلام والعدالة والحرية على الظلم والدجل والاستكبار والاستعباد.
3- قيام حكومة عالمية واحدة.
4- عمران الارض بحيث لا تبقى بقعة خربة غير عامرة.
5- بلوغ البشرية الى حد النضج والكمال يلتزم فيه الانسان طريق العقل والعقيدة ويتحرر من اغلال الظروف الطبيعة والاجتماعية والغرائز الحيوانية.
6- استثمار ذخائر الارض أقصى حد ممكن.
7- احلال المساوة بين البشر في حقل الثروة.
8- اقتلاع جذور الفساد كالزنا والربا والخيانة و السرقة والفشل و شرب الخمر و خلو النفس من العقد والاحقاد.
9- زوال شبح الحرب وسيادة السلام والحب والتعاون والصفاء.
.........................................
بعض المؤمنين بظهور المهدي يتصورون ان نهضة هذا المنجي ذات طابع انفجاري محض, وناتجة فقط عن انتشار الظلم والجور والفساد والطغيان, اي ان مسالة الظهور نوع من الاصلاح الناتج عن تصاعد الفساد. هذا التصور يدين كل اصلاح لان هذا الاصلاح يؤخر الامداد الغيبي. فبإشاعة الافساد , بناء على هذا التصور , هو افضل عامل على تسريع المهدي واحسن شكل لانتظار فرج ظهوره. أصحاب هذا التصور ان لم يكونوا هم من زمرة العاصين ينظرون الى اصحاب المعاصي بعين الارتياح والرضى لانهم يمهدون لظهور القائم المنتظر!

ان ظهور المهدي حلقة من حلقات النضال بين اهل الحق واهل الباطل وان هذا النضال سيسفر عن انتصار قوى الحق . وتتوقف مساهمة الفرد في تحقيق هذا الانتصار على انتمائه العملي الى فريق اهل الحق.
ثمة حديث معروف في هذا المجال يذكر ان المهدي يملأ الله به الارض قسطا وعدلا بعدما ما ملئت ظلما و جورا . هذا الحديث يركز على مسالة الظلم و يشير الى وجود فئة ظالمة وفئة مظلومة والى ان المهدي يظهر لنصرة الفئة المظلومة التي تستحق الحماية.  ولو كان الحديث يقول ان المهدي ( يملأ الله به الارض ايمان وتوحيدا وصلاحا بعدما ما ملئت كفرا وشركا وفسادا )) لكان معنى ذلك ان نهضة المهدي الموعود تهدف الى انقاذ الحق المسحوق لا انقاذ انصار الحق.
تتحدث الروايات الاسلامية عن نخبة من المؤمنين يلتحقون بالامام فور ظهوره. ومن الطبيعي ان هذه النخبة لا تظهر معلقة في الهواء بل لابد من وجود ارضية صالحة تربي هذه النخبة التي بالرغم من انتشار الظلم والفساد كونت نفسها. وهذا يعني ان الظهور لا يقترن بزوال الحق والحقيقة . الراويات الاسلامية ايضا تتحدث عن سلسلة من النهضات يقوم بها انصار الحق قبل ظهور المهدي منها نهضة اليماني . مثل هذه النهضة لا يمكن أن تبتدئ بساكن ولا تظهر دون ارضية مسبقة.


الايات والروايات المرتبطة بظهور المهدي المنتظر تدل على أن ظهوره يشكل اخر حلقة من حلقات الصراع الطويل بين انصار الحق وانصار الباطل منذ بدء الحليقة .
(( المهدي المنتظر تجسيد لأهداف الانبياء الصالحين والمجاهدين على طريق الحق).

مقتطفات من كتاب نهضة المهدي لصاحبه الشيخ مرتضى مطهري.
رابط تحميل الكتاب:
http://alfeker.net/library.php?id=1353

1 comment:

ام احمد said...

جميييل أن يعي الإنسان أن ظهور الموعود مرتبط بالحراك الفعلي لا الرضوخ والجمود وأنه يشكل آخر حلقات الصراع بين فريقين متناقضين في المسير ...أي ماكان يعتقده البعض أنه سيأسس لمبادئ حق جديده غير واعي أنها موجوده وثابته ومستمرة وإنها تحتاج إلى من يتقلدها وينهجها ويمضي بها قدما لتحقيق أرضية خصبة تمهد ظهور الولي لينهي آلام البشريه من فعل الطغاة